Tuesday, March 05, 2013

مخاطر قانون الصكوك المزمع إصداره فى مصر

مخاطر قانون الصكوك المزمع إصداره فى مصر
د. سلوى العنترى
 الصكوك الإسلامية هى أدوات مالية تستخدم فى تمويل الأنشطة الاقتصادية المختلفة وتتسم بأمرين رئيسيين:
·         أولهما أن يكون النشاط الممول متوافقا مع الشريعة الإسلامية،
·         والثانى أن يكون مصدر العائد الذى يحصل عليه الممولون هو إيرادات او أرباح نشاط اقتصادى فعلى متوافق مع الشريعة (بيع بضائع أو أصول ثابتة أو منقولة أو خدمات، تأجير أصل من الأصول، مشاركة لأجل محدد فى مشروع صناعى أو زراعى...).
ويمتلك حملة الصكوك حصة على المشاع فى جملة الأصول محل البيع والشراء أو التأجير أو الاستثمار والتى يتم تحويل ملكيتها أو منفعتها أو حق استغلالها للدائن ضمانا للوفاء بالدين وعائده. فإذا ما عجز المدين عن السداد عند حلول أجل استحقاق الصكوك يكون من حق حملة تلك الصكوك الاستيلاء على الأصول الضامنة وفاء للدين.
ويتعلق مشروع القانون الذى أقره مجلس الوزراء فى منتصف يناير 2013 بكافة أنواع الصكوك سواء كانت حكومية أو غير حكومية. ويتضمن صورا عديدة لكافة الصيغ المتعارف عليها عالميا لإصدار الصكوك وفقا للآليات الرئيسية للتعامل مع الأصول الضامنة، أى البيع والإيجار والانتفاع والاستثمار والمشاركة فى المخاطر، سواء تعلق الأمر بأصول عينية أو خدمات.
ويلاحظ بداءة أن الانتقادات والاعتراضات التى واجهت المشروع السابق المقدم من وزارة المالية فيما يتعلق بالصكوك الحكومية كانت تدور بصفة أساسية حول طبيعة الأصول العامة التى سيتم رهنها ضمانا للصكوك وهل تتضمن المرافق العامة، ولمن يتم الرهن هل لمصريين أو أجانب (اتجهت مخاوف الجماهير العريضة إلى قناة السويس على وجه التحديد) ثم هل يتم استخدام حصيلة الصكوك فى مشروعات انتاجية جديدة أم فى سداد عجز الموازنة. وإذا كان الهدف هو سداد عجز الموازنة وليس إقامة مشروعات جديدة مدرة لعائد فمن أين ستأتى الموارد التى تكفل سداد الدين حين يحل أجل الصكوك ؟ هذه المخاوف التى طرحتها القوى الوطنية أكدتها اعتراضات مجمع البحوث الإسلامية فى الأزهر الذى رفض القانون لنفس هذه الأسباب. والسؤال الآن هل قضى مشروع القانون الجديد على هذه المخاوف؟
 الواقع أن القانون الجديد قد حاول الالتفاف على الاعتراضات المتعلقة برهن الأصول العامة، وذلك بالنص على حظر استخدام الأصول الثابتة المملوكة للدولة "ملكية عامة" أو منافعها فى إصدار الصكوك (مادة 5). إلا أن هذا الحظر تم تفريغه من مضمونه على الفور فى نفس المادة، حيث أجازت إصدار صكوك مقابل حق الانتفاع بالأصول الثابتة المملوكة للدولة "ملكية خاصة"، وتركت أمر تحديد تلك الأصول لمجلس الوزراء. وحقيقة الأمر أن جميع المرافق العامة والأراضى الصحراوية والأراضى البور والعقارات المملوكة للحكومة والهيئات العامة ووحدات الإدارة المحلية والموانئ والمطارات والمستشفيات والبنوك والشركات العامة والهيئة العامة للبترول وهيئة السكك الحديدية وهيئة النقل العام وهيئة مترو الأنفاق وهيئة الأبنية التعليمية وبنك ناصر الاجتماعى التابع لوزارة التأمينات الاجتماعية وعشرات ومئات وآلاف المؤسسات العامة وما يتبعها من أصول ثابتة ومنقولة ينطبق عليها وصف "الملكية الخاصة للدولة"، وقابلة بالتالى لأن تستخدم كضمان لإصدار الصكوك. وحتى لو لم يكن الوصف منطبقا على مؤسسة أو مرفق أو أصل ما فإن قرارا يصدره مجلس الوزراء بناء على عرض وزير المالية كفيل بتجاوز تلك العقبة!
محاولة التغلب على المخاوف جاءت أيضا بالنص فى نفس المادة رقم (5) على أن إصدار الصكوك الحكومية بضمان تلك الأصول الثابتة سيقتصر على منح حملة الصكوك حق الانتفاع وليس الملكية (حق الرقبة) وبالتالى فلا خوف من انتقال تلك الأصول إلى الأجانب فيما لو تعثرت الحكومة فى السداد. وهنا نلاحظ أمرين بالغى الأهمية، أولهما أن القانون لم يتضمن وضع حد أقصى لمدة الانتفاع، وتصريحات السيد وزير المالية تعلن أن تلك المدة ستكون فى حدود 35 عاما. الأمر الثانى أن المادة (8) تنص على أنه يجب على الجهة المستفيدة استرداد الصكوك فى نهاية مدتها لأداء قيمتها لمالكيها عن طريق الالتزام بشراء موجوداتها. أى باختصار أنه يتعين على المدين (الحكومة على سبيل المثال) سداد الدين واستعادة الأصل الضامن حين استحقاق أجل الصكوك.
ولكن ما ذا لو لا قدر الله لم تتمكن الحكومة من السداد، كيف سيستعيد الدائن أمواله طالما أن القانون لم يمنحه حق ملكية الأصل الضامن ومنحه فقط حق الانتفاع؟ المادة (8) من القانون تقدم الحل حيث تجيز لحملة الصكوك (الدائنين) التعهد بهبة أو بيع موجودات الصكوك للجهة المستفيدة بالقيمة التى يتم الاتفاق عليها. بعبارة أخرى يقوم الدائنون بإعادة الأصل الضامن إلى الحكومة سواء على سبيل الهبة أو مقابل ثمن بسيط يتناسب مع قدرتها. وحيث أن الحكومة قد استردت ذلك الأصل فيمكنها استخدامه فى إصدار صكوك جديدة تمنح لنفس الدائنين حق الانتفاع لمدة جديدة ولتكن 35 سنة أخرى، أى أنه يتم "إعادة جدولة الدين"... إذن القانون لا يسمح بانتقال ملكية الأصول العامة للدائنين، ولكنه يسمح بمنحهم حق الانتفاع بتلك الأصول إلى ما شاء الله.
أما عن حصيلة الصكوك فقد أتاح القانون للحكومة إمكانية استخدامها فى سد عجز الموازنة العامة للدولة. فمن ناحية هو لم ينص على حظر ذلك الوجه من أوجه الاستخدام، ومن ناحية أخرى فقد نص فى المادة (7) على أن "صكوك الإجارة والسلم تستخدم فى الأوجه التى تحددها الجهة المستفيدة" . وأخذا فى الاعتبار التصريحات الحكومية المتكررة بأنها ستصدر الصكوك وفقا لآلية الإجارة، فإن المادة (7) تتيح لها أن تضع الحصيلة فى البنك المركزى كى تستخدمها فى الأوجه التى تحددها، بما فى ذلك بالطبع سداد عجز الموازنة العامة. حيث نصت تلك المادة على أنه بالنسبة لصكوك الإجارة والسلم بالتحديد يتم فتح حساب بالبنك المركزى المصرى تودع فيه الحصيلة، وحسابات أخرى تودع فيها حصيلة الصكوك التى تصدرها كل من الهيئات العامة أو وحدات الإدارة المحلية أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية.
وهنا ربما يكون من المناسب استقراء الصيغ والاستخدامات المختلفة التى ينتظر أن تصدر الصكوك وفقا لها، والتى يعززها التصريحات التى وردت من بعض "المتخصصين" فى مجال الصكوك الإسلامية. طبعا هناك إمكانية لإصدار صكوك إجارة يتم بمقتضاها بيع حق الانتفاع بأى مرفق عام والتعهد بإعادة الشراء بعد 35 سنة، واستئجار ذلك المرفق من جانب الحكومة أو منح المنتفعين حق إعادة تأجيره لآخرين خلال نفس الفترة. والأهم هو إمكانية إصدار صكوك إجارة الخدمات، وهى الآلية التى تسمح باستخدام حصيلة الصكوك فى شراء خدمة معينة من مقدمها وإعادة بيعها لمتلقى الخدمة. هذه الآلية تتيح استخدم حصيلة الصكوك فى شراء خدمات التأمين الصحى أوخدمات النقل بالسكك الحديدية أو خدمات مترو الأنفاق أو خدمات الموانئ والمطارات وغيرها من الخدمات لعدد معين من السنوات (لايعلم مداها إلا الله) كى يقوم الدائن بتقديمها لمتلقيها وتحديد المقابل أو الثمن الذى يراه لتلك الخدمة. باختصار هذه الآلية يمكن أن تستخدم فى تحقيق الخصخصة الفعلية لقطاع الخدمات العامة وفى القلب منه قطاع التأمين الصحى.
أما عن "صكوك السلم" فيبدو أنها تمثل الآلية التى سيجرى استخدامها للاستدانة بضمان حصيلة صادرات محددة لعدد من السنوات القادمة، أو لتمويل الواردات المطلوبة والمتوقعة خلال عدد من السنوات المقبلة. فمن المعروف أن بيع السلم هو البيع الذى يتعهد فيه البائع بتسليم بضاعة معينة محددة المواصفات فى تاريخ آجل إلا أنه يتقاضى ثمنها كاملا على الفور .
وطبقا لهذه الآلية يمكن على سبيل المثال إصدار صكوك يتم بموجبها بيع حصيلة صادرات مصر البترولية لعدد من السنوات المقبلة، وتتحدد تلك الحصيلة (ثمن البيع) وفقا للأسعار العالمية فى الأسواق الآجلة للبترول وأسعار الخصم/ السائدة فى أسواق النقد وأسواق المال، وتحصل الحكومة على تلك الحصيلة على الفور وتلتزم بتوريد الحصة المتفق عليها من صادرات البترول سنويا ليقوم الدائن بإعادة بيعها بسعر السوق. وعلى صعيد آخر يمكن استخدام نفس الآلية فى إصدار صكوك تستخدم حصيلتها فى شراء احتياجات هيئة السلع التموينية من واردات السلع التموينية التى تمولها الموازنة العامة للدولة. حيث يقوم الدائن بشراء الواردات المطلوبة من العالم الخارجى ودفع قيمتها، ويعيد بيعها للهيئة فى التواريخ المستقبلية المحددة، مقابل الدفع على أقساط لفترات زمنية أطول يصدر مقابلها صكوك مضمونة بأصول مدرة لعائد مملوكة للدولة أو بجزء من حصيلة الصادرات. هذه التصورات بشأن إصدار الصكوك بضمان حصيلة الصادرات أو استدانة المبالغ اللازمة لدفع فاتورة الواردات وردت بالفعل فى تصريحات لرئيس مجلس إدارة بنك التنمية العامة البريطانى، فى إطار حملة الترويج للصكوك الإسلامية فى مصر .
ولم يبدد مشروع القانون الجديد مخاوف المصريين من سيطرة أطراف أجنبية على المرافق العامة، حيث لم ينص على قصر الاكتتاب فى الصكوك الحكومية على المصريين، كما لم يضع حدا أقصى لاكتتاب الشخص الواحد أو الجهة الواحدة فى تلك الصكوك. بل إن ذلك القانون سمح بإصدار الصكوك الحكومية فى الخارج، ونص على قابليتها للتداول فى سوق الأوراق المالية. ومن المفهوم أنه إذا تم تسجيل ورقة مالية فى البورصة المصرية وطرحت للتداول فإن من حق أى "مستثمر" من أى جنسية على وجه الأرض أن يشترى تلك الورقة، ناهيك عن شراء أى كميات منها وبدون حد أقصى طالما كان القانون يبيح ذلك. ويعنى هذا فى النهاية أن طبيعة وجنسية حائز الصكوك الدائن لمصر والذى يتمتع بحقوق انتفاع على أصولها تتعرض للتغيير والتبديل طوال حياة الصك.
وأخيرا فإن القانون لا يضع أى حدود قصوى على استدانة الحكومة وأجهزتها المختلفة عبر تلك الآلية. بل ويبشرنا وزير المالية أن الصكوك ستتمكن من اجتذاب تدفقات رؤوس أموال بنحو 10 مليار دولار سنويا. هذه المليارات التى يبشرنا بها تمثل ديونا يتعين دفعها فى لحظة ما فى المستقبل، حتى ولو جاءت تلك اللحظة بعد 35 سنة، فما هو وجه الاستبشار فى تكبيل الأجيال القادمة بالديون؟
 أما فيما يتعلق بالتأكد من مشروعية الغرض من إصدار الصكوك والنشاط الضامن من وجهة النظر الإسلامية فقد تم إقصاء الأزهر عن هذه المهمة، فمن ناحية تم حذف لفظ إسلامية من وصف الصكوك فى مشروع القانون، كما تم تعيين هيئة شرعية تابعة لمجلس الوزراء لتقوم بمهمة الرقابة الشرعية على الصكوك. وهكذا تكتمل الدائرة فمجلس الوزراء يحدد الأصول التى تصلح ضمانا لإصدار الصكوك وهيئته الشرعية تعطى الفتوى بمشروعية الغرض حتى ولو كان سداد عجز الموازنة العامة ومشروعية الضمان حتى ولو كان التنازل عن حق الانتفاع بالأصول المملوكة للشعب إلى ما شاء الله.
هذا ملخص للدراسة المنشورة في العدد الرابع من مجلة الطليعة 21 الذي صدر في نهاية فبراير 2013